وأدى
تدمير 12 بئراً إلى شلل واسع في التوزيع، حيث اضطرت البلديات إلى الاستعانة
بصهاريج خاصة، ما شكل عبئاً مالياً إضافياً على المواطنين.
كما أن الشبكة الداخلية قديمة ومهترئة، تشهد تسرباً يوميًا للمياه،
وتفتقر إلى الصيانة الدورية. كثير من الأحياء في المدينة كـ"حوش
الرافقة" و"تل الأبيض" بقيت بلا نقطة ماء واحدة لأيام، مما فاقم من
معاناة العائلات المهجّرة.
أما بالنسبة الى الطرقات تمثل الطرقات في بعلبك شرايين الحياة التي
تربط القرى ببعضها، وتربط المدينة بالحدود السورية ومناطق الداخل اللبناني وخصوصا
عند وصول التهديدات الاسرائيلية بضرب مدينة بعلبك وقراها. لكن الغارات دمرت سبعة
جسور رئيسية من بينها:
جسر اللبوة-العين
جسر بدنايل-النبي
شيت
جسر مدخل
بعلبك الجنوبي
تأثرت حركة النقل والبضائع، وتقطعت
أوصال المدينة، خاصة أن هذه الجسور كانت تخدم مناطق زراعية وغذائية حساسة.
الانهيارات أدت أيضًا إلى تعطيل خطوط النقل المدرسي وخدمات الطوارئ
حين أصبحت المدينة هدفًا
في أقل من ثلاثة أسابيع،
سجّلت محافظة بعلبك-الهرمل أكثر من 17 غارة جوية مباشرة استهدفت منشآت مدنية، بحسب
تقارير منظمات محلية ودولية. 7 جسور رئيسية تضررت كلياً، ما شلّ حركة التنقل بين
القرى والأحياء. كما تسببت الغارات في خروج 3 مستشفيات ميدانية عن الخدمة، بينها
مركز حيوي للإسعاف والطوارئ في عين بورضاي.
انقطعت الكهرباء عن أكثر من 60% من الأحياء السكنية لمدد تجاوزت العشرة
أيام، بينما دُمرت نحو 12 بئراً ارتوازياً تُعد المصدر الوحيد للمياه الصالحة
للشرب في المناطق الريفية. أما الأبنية، فقد سُجل تضرر أكثر من 80 منزلاً بشكل
جزئي أو كلي، مما أجبر عشرات العائلات على النزوح المؤقت
صورة شاملة لواقع البنية التحتية في بعلبك
مع تصاعد التوترات في الجنوب، شهدت بعلبك استهدافات جوية إسرائيلية في أيلول 2024، ما أدى إلى تدمير طرق حيوية وقطع خطوط الاتصال والكهرباء في أحياء كاملة.يقول عبدالله زغيب، مدير العمليات في الصليب الأحمر اللبناني: "واجهنا تحديات كبيرة في الوصول إلى المصابين بسبب تضرر الطرق."بينما صرّح وزير الأشغال العامة والنقل السابق الدكتور علي حمية بأنه وبالرغم من حدوث هذا العدوان على لبنان فإن وزارة الاشغال كانت قد وضعت خطة مسبقًا للإنماء بخصوص صيانة الطرقات والجسور، لكن للأسف جاء العدوان في الوقت الذي كان من المفترض أن تبدأ فيه هذه الاصلاحات
أدوار المجتمع المحلي والجهات الفاعلة
البلديات: جهود محدودة وسط إمكانات شحيحة
تُعدّ بلدية بعلبك واحدة من أكثر البلديات اللبنانية المثقلة بالأعباء، فهي لا تُعنى فقط بالشؤون الإدارية اليومية، بل تتحمّل مسؤوليات إضافية تتعلق بإدارة الأزمات، وتلبية الحاجات المتزايدة للسكان، والتعامل مع تداعيات الحروب والانهيار الاقتصادي. موقعها الجغرافي كعاصمة لمحافظة البقاع يجعلها في قلب التحديات، من النزوح المتكرر، إلى ارتفاع نسب الفقر، إلى الضغط الهائل على البنية التحتية
ومع ذلك، تعمل البلدية ضمن إمكانات مالية وتقنية متواضعة، لا تتناسب مع حجم المهمات الملقاة على عاتقها. فهي تواجه عجزًا في الميزانية، وغيابًا مستمرًا للدعم الحكومي، بالإضافة إلى نقص الكوادر
المتخصصة، واهتراء في الآليات والمعدات الضرورية للعمل البلدي
رئيس البلدية، ، يوضح حجم التحدي بقوله: "نحاول قدر الإمكان معالجة الأمور، ولكن غياب التمويل من الحكومة، وغياب الصلاحيات الإدارية الحقيقية، يحد من فاعليتنا." ويؤكّد أنّ البلديات في لبنان، ومنها بعلبك، تُترك غالبًا لمصيرها، مطالبة بالتصرّف كسلطة محلية متكاملة، دون أن تُمنح الصلاحيات الفعلية أو الموارد اللازمة لذلك
ويضيف بلوق أنّ أغلب المشاريع التي تسعى البلدية إلى تنفيذها – من تعبيد الطرقات إلى صيانة شبكات الصرف الصحي، وإدارة النفايات، وتأهيل البنى التحتية – إما تتوقف عند عتبة التمويل، أو تُعيقها البيروقراطية الحكومية التي تجعل كل خطوة مرهونة بموافقات طويلة الأمد. "نحن نُسابق الوقت لتفادي الانهيار الكامل، ولكن اليد الواحدة لا تصفق،" يقول بلوق، في إشارة إلى افتقار البلدية للشراكة الحقيقية مع الدولة المركزية
ورغم ذلك، تواصل بلدية بعلبك الاعتماد على الشراكات المحلية، وتفعيل المبادرات الأهلية، والتعاون مع بعض المنظمات الدولية، في محاولة لتأمين الحد الأدنى من الخدمات، لا سيما خلال الأزمات الأخيرة التي كشفت هشاشة البنية التحتية وغياب خطط الطوارئ على المستوى الوطني
إعداد خرائط مخاطر محدثة تشمل مناطق الزلازل، الفيضانات، والمواقع الأكثر هشاشة
تدريب الفرق البلدية والمتطوعين على خطط الإخلاء والاستجابة للكوارث
إشراك المجتمع المدني في صنع القرار وتحفيز المبادرات المحلية
اعتماد اللامركزية المالية لتمكين البلديات من الاستجابة الطارئة
تعزيز البنية التحتية الذكية عبر استخدام التكنولوجيا في مراقبة التسربات والانهيارات
إنشاء مركز إقليمي لإدارة الكوارث في بعلبك الهرمل، يضم فرقًا متخصصة
ليست بعلبك مجرد أطلال رومانية أو مهرجانات فنية، بل هي مدينة نابضة بالحياة، تنبض بتاريخها كما تنبض بأهلها، المتمسكين بالأرض رغم كل الظروف. إنها مدينة العطاء في قلب المعاناة، والضوء الذي لا ينطفئ رغم العتمة الممتدة. لكنها، في الوقت ذاته، تواجه إهمالًا مزمنًا، وتعيش تحت وطأة تهديدات وجودية ناجمة عن بُنى تحتية متهالكة، وسوء إدارة للأزمات المتكررة.
إن مستقبل بعلبك لا يمكن أن يُبنى على جهود فردية أو مبادرات ظرفية، بل يحتاج إلى إرادة جماعية حقيقية، تتضافر فيها جهود الدولة، البلديات، المجتمع المدني، والقطاعات الخاصة، بدعمٍ فعّال من الإعلام، لوضع أسس تنمية مستدامة وصمود فعلي في وجه الكوارث القادمة
فكما صمدت أعمدة جوبيتر أمام الزلازل والغزوات، يجب أن نصمد نحن أيضًا في وجه زلازل الإهمال والتهميش. بعلبك لا تحتاج فقط لمن يروي تاريخها، بل لمن يكتب مستقبلها بحبر المسؤولية، والإنصاف، والرؤية. أن نحميها اليوم، يعني أن نمنح الأجيال القادمة حقّهم في مدينة تنتمي إليهم كما انتمى أجدادهم إليها