من شرفات الزمن.. مدينة الأعمدة تصمد في وجه الركام

 في أيلول 2024، لم تكن ساحة بعلبك مسرحًا للسياحة والمهرجانات كما اعتادت كل عام، بل كانت مسرحية اعتاد العالم أن يشاهدها ولا يحرك ساكنًا، الدمار في كل مكان.. الدماء، الأشلاء المتطايرة، أصوات الأطفال الذين إن لم يموتوا من القصف كانوا حتمًا سيموتون من رعبهم.

ورغم الدخان الذي غطّى سماءها، لم تُطفأ في بعلبك شعلة الصمود. فبين الأزقة المتشققة، تنبعث قصص الإنقاذ والإغاثة، حيث هرعت فرق الصليب الأحمر تحت القصف، تحاول انتشال من تبقّى تحت الركام، بينما كانت الأمهات يُعدِدن خبز الصبر على نار الخوف. 

على أطراف المدينة، يقف جسر عين بورضاي كأثر لما كان ممراً آمناً، تحوّل إلى كومة إسمنت، بعد أن مزقته غارة عند الفجر. جسر الحوش، هو الآخر، لم يسلم، مع جسور الكيال والنبي شيت، التي تهاوت فجأة، تاركة القرى معزولة، بلا ماء أو خبز أو حتى صوت. 

في مستشفى بعلبك الحكومي، كانت الممرضات يناوبن على إنارة الردهات بهواتفهن، بعد أن انقطعت الكهرباء لأكثر من عشرة أيام. الأطفال المصابون كانوا يتقاسمون الأسرة مع كبار السن، فيما نقل مشفى دار الحكمة بعض مرضاها إلى مبانٍ مجاورة خشية الانهيار.

لكن رغم كل هذا، ما زال في بعلبك ما يستحق الحياة. ما زالت شرفات البيوت في حي رأس العين تُزهر حبقاً قرب نوافذها، وما زال المؤذن يرفع صوته عند الغروب، وما زالت الأعمدة تشهد، كما شهدت لقرون، أن بعلبك لا تُهزم، بل تُجرّبها الأيام فترتفع.

شهادات من قلب الأزمة

في زاوية من الطريق المؤدية إلى إحدى قرى قضاء بعلبك حيث كانت تمرّ سيارات الإسعاف بسرعة خفيفة لتتجنب أعين الطائرات المسيّرة، يشير مدير العمليات في الصليب الأحمر اللبناني عبدالله زغيب بأن أكبر التحديات التي واجهتها فرق الاسعاف في الصليب الاحمر صعوبة الوصول الى مكان الغارة، والاكثر من ذلك عندما تكون عائلات بأكملها تحت الركام، فيصعب عليهم الوصول بسبب الطائرات المسيرة وانقطاع الطريق جرّاء الغارات، ما يسبب ضآلة الاحتمال بأن يبقى أحياء تحت الركام. يشير أيضًا الاستاذ زغيب بأن الصليب الأحمر يعتمد خططًا احترازية في حال حدوث أزمات، منها الحرب، كون لبنان معرضًا للحروب بين الفترة والأخرى.

 وأضاف:" ومنطقة بعلبك الهرمل هي بالأصل منطقة محرومة، وحرب أيلول 2024 زادت من هذا الحرمان". بالإضافة الى مشكلة طرحها هي حماية طاقم العمل في فرق الاسعاف في الصليب الأحمر وتأمين الطريق لهم وعن إمكانية حدوث غارات جديدة، مما يصعّب عليهم العمل أكثر والوصول الى أماكن الغارات بوقت متأخر. يشير وزير الاشغال العامة والنقل السابق علي حمية على أن البنية التحتية في مدينة بعلبك الهرمل تعاني بالأصل من ضعف في البنية التحتية وعدم وجود العدل الذي يُنصف أهالي بعلبك الهرمل ويعطيهم حقوقهم من الدولة اللبنانية على مستوى الخدمات كافة. ولطالما شكلت بعلبك نموذجاً صارخاً للتهميش الإنمائي في لبنان. المدينة التي تتوسط البقاع الشمالي، وتضم واحدة من أغنى المواقع الأثرية في العالم، ظلت لعقود خارج حسابات التخطيط الوطني، مما جعل بنيتها التحتية مكشوفة، قديمة، وغير مؤهلة للصمود في وجه الأزمات.

 جاء عدوان ايلول 2024 ليكشف عجز هذه البنية بأبشع صوره، وتحوّل التحديات القديمة إلى كوارث يومية للسكان. فقبل العدوان، لم يكن التيار الكهربائي يغطي أكثر من 4 إلى 6 ساعات يوميًا. ولكن بعد استهداف محطة التوزيع الرئيسية في منطقة الشراونة وبعض الخطوط المغذية الآتية من دير زنون، انخفضت التغذية إلى مستويات شبه معدومة في معظم الأحياء، ما اضطر المواطنين إلى الاعتماد الكامل على المولدات، التي تعاني بدورها من نقص في الوقود، وارتفاع في الكلفة التشغيلية. في بعض القرى المحيطة ببعلبك، مثل إيعات ومقنة ويونين، لم تصل الكهرباء لأكثر من 15 يوماً متواصلاً، مما أثر على عمل الأفران، محطات الضخ، والمراكز الطبية.

تعتمد بعلبك على مجموعة من الآبار الارتوازية ومحطات الضخ الصغيرة، التي أصيبت بشكل مباشر خلال الغارات، لا سيما في الطيبة وسرعين الفوقا والشواغير.

وأدى تدمير 12 بئراً إلى شلل واسع في التوزيع، حيث اضطرت البلديات إلى الاستعانة بصهاريج خاصة، ما شكل عبئاً مالياً إضافياً على المواطنين. كما أن الشبكة الداخلية قديمة ومهترئة، تشهد تسرباً يوميًا للمياه، وتفتقر إلى الصيانة الدورية. كثير من الأحياء في المدينة كـ"حوش الرافقة" و"تل الأبيض" بقيت بلا نقطة ماء واحدة لأيام، مما فاقم من معاناة العائلات المهجّرة.   أما بالنسبة الى الطرقات تمثل الطرقات في بعلبك شرايين الحياة التي تربط القرى ببعضها، وتربط المدينة بالحدود السورية ومناطق الداخل اللبناني وخصوصا عند وصول التهديدات الاسرائيلية بضرب مدينة بعلبك وقراها. لكن الغارات دمرت سبعة جسور رئيسية من بينها:
جسر اللبوة-العين
جسر بدنايل-النبي شيت
جسر مدخل بعلبك الجنوبي
تأثرت حركة النقل والبضائع، وتقطعت أوصال المدينة، خاصة أن هذه الجسور كانت تخدم مناطق زراعية وغذائية حساسة. الانهيارات أدت أيضًا إلى تعطيل خطوط النقل المدرسي وخدمات الطوارئ

لم تميز الضربات بين منشآت مدنية وعسكرية، فاستُهدف 3 مراكز صحية وميدانية، أبرزها مركز الصليب الأحمر في عين بورضاي، الذي كان يشكل نقطة إسعاف مركزية. كما خرجت بعض العيادات الميدانية المتنقلة عن العمل نتيجة القصف أو انقطاع الوقود والمياه. مستشفى بعلبك الحكومي، رغم صموده، يعمل فوق طاقته بـ3 أضعاف، ويعاني من نقص كبير في الطواقم والمعدات. الغرف ممتلئة، وغرف العمليات لا تعمل سوى في الحالات الحرجة. أما بالنسبة للمدارس، فالعديد من المدارس الرسمية في بعلبك تعرضت لتصدعات نتيجة موجات الانفجارات. مدارس مثل مدرسة الإمام علي الرسمية ومدرسة دورس الابتدائية، أصبحت غير آمنة. بعضها استخدم كمراكز إيواء للنازحين، مما أخرجها من الخدمة التربوية.

علّق الدكتور النائب حسين الحاج حسن أنه وبسبب تأثير الازمة الاقتصادية شحّت الموارد وتم الاتكال بشكل رئيسي وأساسي على حزب الله وعلى بعض المصادر وجهات دولية بسبب تقلص امكانيات الدولة. أشار الدكتور علي حمية على أنهم توقعوا أن يطال العدوان البنى التحيتة، فالعدوان الاسرائيلي ارتكب المجازر بالناس، ليس صعبًا عليه أن يطال البنى التحتية. 

حين أصبحت المدينة هدفًا 
 في أقل من ثلاثة أسابيع، سجّلت محافظة بعلبك-الهرمل أكثر من 17 غارة جوية مباشرة استهدفت منشآت مدنية، بحسب تقارير منظمات محلية ودولية. 7 جسور رئيسية تضررت كلياً، ما شلّ حركة التنقل بين القرى والأحياء. كما تسببت الغارات في خروج 3 مستشفيات ميدانية عن الخدمة، بينها مركز حيوي للإسعاف والطوارئ في عين بورضاي. انقطعت الكهرباء عن أكثر من 60% من الأحياء السكنية لمدد تجاوزت العشرة أيام، بينما دُمرت نحو 12 بئراً ارتوازياً تُعد المصدر الوحيد للمياه الصالحة للشرب في المناطق الريفية. أما الأبنية، فقد سُجل تضرر أكثر من 80 منزلاً بشكل جزئي أو كلي، مما أجبر عشرات العائلات على النزوح المؤقت

صورة شاملة لواقع البنية التحتية في بعلبك 


  يعاني المواطن في بعلبك من صعوبة في التنقل اليومي بسبب الطرقات المتصدعة، والتي لم تخضع لأي خطة صيانة شاملة منذ سنوات. ففي شوارع المدينة، تنتشر الحفر والمطبات العشوائية، مما يعرض السيارات للأعطال المتكررة

يقول الحاج أبو يوسف، سائق تاكسي منذ أكثر من 30 سنة: "صرنا نعرف الحفر بالاسم. كل يوم بنصلّح بالسيارة، بس الدولة غايبة." وتُظهر إحصاءات غير رسمية​ أُعدت من قبل إحدى الجمعيات المحلية أن أكثر من 60% من الطرقات الداخلية في المدينة مصنفة كـ"غير صالحة للسير الآمن"

شبكة المياه: نزيف دائم في أحياء كحي النبي أنعام والشراونة، يعاني السكان من انقطاع متكرر للمياه، وتراجع في ضغط الضخ. تقول المهندسة المدنية فاطمة الزين: "البنية التحتية للمياه في بعلبك قديمة جدًا، وبعض أنابيب الضخ تعود إلى ما قبل الحرب الأهلية. نسبة التسرب في الشبكة تتجاوز 45%.

الكهرباء والنفايات: عصب المدينة المقطوع نظرًا لانقطاع الكهرباء لساعات طويلة يوميًا، تعتمد بعلبك بنسبة كبيرة على المولدات الخاصة. أما النفايات، فتُجمع بشكل غير منتظم، .وتُحرق أحيانًا في الهواء الطلق، مسببة تلوثًا في الهواء

 العدوان الإسرائيلي والأزمات: اختبارات صعبة للبنية التحتية

مع تصاعد التوترات في الجنوب، شهدت بعلبك استهدافات جوية إسرائيلية في أيلول 2024، ما أدى إلى تدمير طرق حيوية وقطع خطوط الاتصال والكهرباء في أحياء كاملة.يقول عبدالله زغيب، مدير العمليات في الصليب الأحمر اللبناني: "واجهنا تحديات كبيرة في الوصول إلى المصابين بسبب تضرر الطرق."بينما صرّح وزير الأشغال العامة والنقل السابق الدكتور علي حمية بأنه وبالرغم من حدوث هذا العدوان على لبنان فإن وزارة الاشغال كانت قد وضعت خطة مسبقًا للإنماء بخصوص صيانة الطرقات والجسور، لكن للأسف جاء العدوان في الوقت الذي كان من المفترض أن تبدأ فيه هذه الاصلاحات

ما المقصود بإدارة المخاطر

إدارة المخاطر هي عملية تحليل وتخطيط وتقييم واتخاذ إجراءات وقائية للتعامل مع التهديدات المحتملة، سواء كانت طبيعية (زلازل، فيضانات) أو بشرية (حروب، تلوث، انهيار اقتصادي). وتتضمن أربعة مراحل أساسية: التقييم، التخطيط، الاستجابة، والتعافي.

: مرحلة التقييم
هي المرحلة الأساسية التي تبدأ بها عملية إدارة المخاطر، وتتمثل في تحديد وتقدير المخاطر التي قد تهدد البنية التحتية أو حياة السكان، مع تحليل آثارها واحتمالات وقوعها. مكونات المرحلة

 :  رصد الأخطار المحتملة

مثل: استهداف الطيران الإسرائيلي لجسور أو محطات مياه رئيسية

 - تحليل الأثر المحتمل لكل خطر، مثل: - تدمير جسر رئيسي قد يؤدي إلى عزل بعض القرى
- قصف محطة كهرباء يوقف تشغيل مستشفى بالكامل
-  تقدير احتمالية الحدوث عبر مراجعة الهجمات السابقة أو قرب المواقع من الأهداف العسكرية أو المناطق الحدودية

:  أولوية المعالجة
على سبيل المثال: أولويّة قصوى لمحطات ضخ المياه لأنها تخدم مناطق واسعة

: أولوية أقل للأبنية الإدارية غير الحيوية
مرحلة التخطيط
:التعريف
تُبنى هذه المرحلة على نتائج التقييم، وتهدف إلى وضع خطط وقائية واستباقية لتقليل الأضرار قبل وقوع الكارثة

مكونات المرحلة: - صياغة خطط إخلاء آمنة
مثال: تحديد نقاط تجمّع للمدنيين، وتخصيص مسارات بديلة عند استهداف الطرق
         تأمين مصادر بديلة للبنية التحتية الحيوية
مثل:  توفير مولدات كهربائية للمستشفيات.   تجهيز صهاريج مياه للمناطق النائية
-إنشاء بنك معلومات للأصول الأساسية
يشمل قائمة بالمراكز الصحية، محطات الوقود، آبار المياه، وفرق الصيانة
-  تدريب الفرق المحلية على السيناريوهات المحتملة
عبر ورش عمل أو محاكاة ميدانية

مرحلة التعافي
:التعريف
هي المرحلة التي تبدأ بعد انتهاء التهديد المباشر، وتهدف إلى إعادة تأهيل المناطق المتضررة واستعادة الحياة الطبيعية
مكونات المرحلة:  إعادة تأهيل البنية التحتية
مثل:   إصلاح أعمدة الكهرباء، خطوط الهاتف، وشبكات الصرف الصحي إعادة بناء الجسور المدمّرة

قد أكّد النائب الحج حسن بأنه من الطبيعي أن يكون هناك أضرار في البنية التحتية في بعلبك كمدينة أو محافظة ولكن بدأت الجهود لتصليحها بالتزامن مع العمل مع وزارة الاشغال العامة والنقل ومدير عام شركة كهرباء لبنان، ومدير عام مؤسسة المياه في البقاع لتتم معالجتها

 ترميم المرافق الحيوية كالمستشفيات، فقد أفاد مدير العمليات في الصليب الأحمر بأن المستشفيات بحاجة إلى سد النواقص الناجمة عن استهلاك المواد الطبية بسبب كثرة المجازر، وبعض الأضرار الجزئية التي لحقت بالمستشفيات نتيجة القصف في محيطها او قربها   المدارس، والمباني الحكومية،  إجراء تقييم شامل للأضرار لتحديد الخسائر الاقتصادية والاحتياجات اللوجستية

    دروس مستخلصة وتوصيات مستقبلية
مثل:تعزيز حماية محطات المياه والكهرباء. 
 إدراج أنظمة تحذير مبكر في المناطق السكنية.
غياب الخطط والجاهزية

تفتقر بلديات بعلبك والاتحادات البلدية إلى وحدات متخصصة في إدارة المخاطر. كما لا توجد قاعدة بيانات حديثة عن المناطق الأكثر تعرضًا للخطر. الخبير في الشؤون البلدية، الأستاذ إيلي سركيس، يقول: "البلديات تعمل بطريقة رد الفعل لا الاستباق. لا توجد خرائط للمخاطر، ولا تدريبات دورية. حتى الموازنات السنوية لا تُخصص فيها بنود كافية للطوارئ."

"بسبب تأثير الازمة الاقتصادية شحّت الموارد وتم الاتكال بشكل رئيسي وأساسي على حزب الله وعلى بعض المصادر وجهات دولية بسبب تقلص امكانيات الدولة، في ظل غياب الخطط الاستباقية للأزمات"، النائب حسين الحج حسن

لكن بحسب ما صرّح أيضا النائب الحاج حسن بأن "رفع الاضرار والانقاض لا زال ساريًا من قِبل حزب الله وجهاد البناء، بالإضافة الى الترميم والإيواء"، إلى جانب عملية إعادة الإعمار والتي استلم زمام أمرها الوزير السابق علي حمية كمستشار أول لرئيس الجمهورية العماد جوزاف عون

أدوار المجتمع المحلي والجهات الفاعلة
البلديات: جهود محدودة وسط إمكانات شحيحة
تُعدّ بلدية بعلبك واحدة من أكثر البلديات اللبنانية المثقلة بالأعباء، فهي لا تُعنى فقط بالشؤون الإدارية اليومية، بل تتحمّل مسؤوليات إضافية تتعلق بإدارة الأزمات، وتلبية الحاجات المتزايدة للسكان، والتعامل مع تداعيات الحروب والانهيار الاقتصادي. موقعها الجغرافي كعاصمة لمحافظة البقاع يجعلها في قلب التحديات، من النزوح المتكرر، إلى ارتفاع نسب الفقر، إلى الضغط الهائل على البنية التحتية

ومع ذلك، تعمل البلدية ضمن إمكانات مالية وتقنية متواضعة، لا تتناسب مع حجم المهمات الملقاة على عاتقها. فهي تواجه عجزًا في الميزانية، وغيابًا مستمرًا للدعم الحكومي، بالإضافة إلى نقص الكوادر 
المتخصصة، واهتراء في الآليات والمعدات الضرورية للعمل البلدي

رئيس البلدية، ، يوضح حجم التحدي بقوله: "نحاول قدر الإمكان معالجة الأمور، ولكن غياب التمويل من الحكومة، وغياب الصلاحيات الإدارية الحقيقية، يحد من فاعليتنا." ويؤكّد أنّ البلديات في لبنان، ومنها بعلبك، تُترك غالبًا لمصيرها، مطالبة بالتصرّف كسلطة محلية متكاملة، دون أن تُمنح الصلاحيات الفعلية أو الموارد اللازمة لذلك

ويضيف بلوق أنّ أغلب المشاريع التي تسعى البلدية إلى تنفيذها – من تعبيد الطرقات إلى صيانة شبكات الصرف الصحي، وإدارة النفايات، وتأهيل البنى التحتية – إما تتوقف عند عتبة التمويل، أو تُعيقها البيروقراطية الحكومية التي تجعل كل خطوة مرهونة بموافقات طويلة الأمد. "نحن نُسابق الوقت لتفادي الانهيار الكامل، ولكن اليد الواحدة لا تصفق،" يقول بلوق، في إشارة إلى افتقار البلدية للشراكة الحقيقية مع الدولة المركزية

ورغم ذلك، تواصل بلدية بعلبك الاعتماد على الشراكات المحلية، وتفعيل المبادرات الأهلية، والتعاون مع بعض المنظمات الدولية، في محاولة لتأمين الحد الأدنى من الخدمات، لا سيما خلال الأزمات الأخيرة التي كشفت هشاشة البنية التحتية وغياب خطط الطوارئ على المستوى الوطني

توصيات لتحسين البنية التحتية وإدارة المخاطر

 إعداد خرائط مخاطر محدثة تشمل مناطق الزلازل، الفيضانات، والمواقع الأكثر هشاشة
 تدريب الفرق البلدية والمتطوعين على خطط الإخلاء والاستجابة للكوارث
إشراك المجتمع المدني في صنع القرار وتحفيز المبادرات المحلية
اعتماد اللامركزية المالية لتمكين البلديات من الاستجابة الطارئة
تعزيز البنية التحتية الذكية عبر استخدام التكنولوجيا في مراقبة التسربات والانهيارات
إنشاء مركز إقليمي لإدارة الكوارث في بعلبك الهرمل، يضم فرقًا متخصصة

ليست بعلبك مجرد أطلال رومانية أو مهرجانات فنية، بل هي مدينة نابضة بالحياة، تنبض بتاريخها كما تنبض بأهلها، المتمسكين بالأرض رغم كل الظروف. إنها مدينة العطاء في قلب المعاناة، والضوء الذي لا ينطفئ رغم العتمة الممتدة. لكنها، في الوقت ذاته، تواجه إهمالًا مزمنًا، وتعيش تحت وطأة تهديدات وجودية ناجمة عن بُنى تحتية متهالكة، وسوء إدارة للأزمات المتكررة.

إن مستقبل بعلبك لا يمكن أن يُبنى على جهود فردية أو مبادرات ظرفية، بل يحتاج إلى إرادة جماعية حقيقية، تتضافر فيها جهود الدولة، البلديات، المجتمع المدني، والقطاعات الخاصة، بدعمٍ فعّال من الإعلام، لوضع أسس تنمية مستدامة وصمود فعلي في وجه الكوارث القادمة

فكما صمدت أعمدة جوبيتر أمام الزلازل والغزوات، يجب أن نصمد نحن أيضًا في وجه زلازل الإهمال والتهميش. بعلبك لا تحتاج فقط لمن يروي تاريخها، بل لمن يكتب مستقبلها بحبر المسؤولية، والإنصاف، والرؤية. أن نحميها اليوم، يعني أن نمنح الأجيال القادمة حقّهم في مدينة تنتمي إليهم كما انتمى أجدادهم إليها

بودكاست